الدراما التاريخية السورية.. غياب بعد توهج

الدراما التاريخية السورية.. غياب بعد توهج

شكل حضور الدراما التاريخية السورية طوال سنوات حدثا فنيا رمضانيا هاما، وكان شكلا دراميا جاذبا لحركة إنتاج الدراما السورية ومحط اهتمام الكثير من القنوات العربية، وشكل حصة دائمة في مشهدها السنوي. وحضرت الدراما التاريخية السورية من خلال التوثيق الديني لبعض مراحل الدعوة الإسلامية أو في استحضار شخصيات تاريخية، قدم أغلبها بالعربية الفصحى والآخر باللهجات المحلية في عموم سوريا. بدايات قوية وفي الأعمال التاريخية الناطقة باللهجات السورية، المحببة لنسبة كبيرة من متابعي الدراما، حضرت أعمال تاريخية قدمت مرحلة الاحتلال العثماني لسوريا أو الاحتلال الفرنسي وتناولت غالبا الأعمال الوطنية التي تمثل مرحلة النزوع إلى الاستقلال. أما بالعربية الفصحى فأوغلت التجربة زمنيا في ما هو أبعد. وخلال مرحلة التسعينات من القرن الماضي وهو عصر انتشار الفضائيات العربية وما بعد، توهجت الدراما التاريخية السورية على الصعيد العربي لما حققته من شرطية فنية عالية جعلتها في مكانة فنية مهمة. وكانت تقدم بأكثر من عمل سنويا، لكن مكانتها بدأت بالتراجع تدريجيا خاصة بعد سنوات الحرب في سوريا فتقلص العدد حتى غاب تماما منذ خمس سنوات. بعد انطلاق البث التلفزيوني في سوريا بعامين وتحديدا عام 1962، قدمت الدراما التلفزيونية السورية أول عمل يتناول موضوعا تاريخيا، وكان بتمثيلية كتبها المؤلف عبدالعزيز هلال مستوحاة من سيرة ألف ليلة وليلة وحملت الاسم نفسه. بعد ذلك تتالت الأعمال التاريخية التي ظهرت بتمثيليات في حلقة واحدة، ثم تطورت زمنيا لتصير مسلسلات كاملة طويلة. في عام 1963 كتب جميل ولاية تمثيلية تاريخية مستوحاة من مسرحية ولييم شكسبير “تاجر البندقية” وحملت ذات الاسم، كما قدم ياسر المالح مسلسل “البخلاء” المستوحى من كتاب الجاحظ. في عام 1975 قدم المؤلف داوود شيخاني أول مسلسل تاريخي له حمل عنوان “النعمان بن المنذر” قدم فيه وقائع معركة ذي قار الشهيرة، وفي العام نفسه قدم مسلسل “انتقام الزباء” لكاتبه محمود دياب والذي تناول فيه سيرة نائلة بنت عمرو بن الظرب وكيف انتقمت من قاتل والدها جذيمة الأبرش، وأظهر سيرة ملكة قوية حكمت أجزاء واسعة من بلاد الشام، وأخرج العمل غسان جبري. بعد ذلك قدم مسلسل “دليلة والزيبق” عام 1976 وهو من تأليف عبدالعزيز هلال وإخراج شكيب غنام. وفي العام التالي، قدم مسلسل “رحلة المشتاق” الذي استحضر مقامات بديع الزمان الهمذاني وكان من تأليف داوود شيخاني وإخراج سليم صبري. في عام 1978 قدم مسلسل “سيرة بني هلال” للكاتب عبدالعزيز هلال وإخراج علاءالدين كوكش وهي مختارات من السيرة تقدم أربع حكايات: “جابر وجبير” و“الأميرة الخضراء” و“مغامرة الأميرة الشماء” و”الزيناتي خليفة”. وفي ثمانينات القرن العشرين تابعت الدراما التاريخية مسيرتها فقدم داوود شيخاني وهيثم حقي “بصمات على جدار الزمن” و“حرب السنوات الأربع” كما قدم غسان جبري للمؤلف شيخاني “طبول الحرية”. وفي آواخر الثمانينات دخلت الدراما التاريخية منعطفا هاما تمثل بمسلسلات الفانتازيا التاريخية منها مسلسل “غضب الصحراء” للكاتب هاني السعدي وإخراج هيثم حقي، تلاه مسلسل “البركان” للكاتب نفسه والمخرج محمد عزيزية. تتالت بعدها أعمال الفانتازيا التاريخية من خلال سلسلة أعمال “الجوارح والكواسر” و”البواسل” و“رمح النار” و“العوسج” و“تل الرماد” و“الموت القادم إلى الشرق” و“رمح النار” و“الجمل والعبابيد” وغيرها. مشاريع متكاملة مع بداية الألفية الثالثة دخلت الأعمال التاريخية السورية مرحلة صارت فيها متجذرة في المشهد الدرامي العربي عموما، فقدمت أعمالا حملت أهمية خاصة. فظهرت مسلسلات مثل “صلاح الدين الأيوبي” و“البحث عن صلاح الدين” و“الزير سالم” و“صقر قريش” و“ربيع قرطبة” و“ملوك الطوائف” و“الظاهر بيبرس” و“هولاكو” و“المحروس” و“ذي قار” و“عمر الخيام” و“خالد بن الوليد” و“عنترة” و“ياقوت الحموي” و“هارون الرشيد” و“سقف العالم” و“قمر بني هاشم” و“القعقاع بن عمرو التميمي” و“دليلة والزيبق” وغيرها. ضمن مسار الدراما التاريخية السورية يمكن الوقوف عند عدد من المحاولات التي كانت بمثابة مشاريع فنية وفكرية متكاملة، حقق أصحابها من خلالها حضورا فكريا خاصا ونجاحات فنية كبرى. فلم يكن الأمر بالنسبة لهؤلاء مسلسلا تلفزيوني يقدم حلقات لجمهور شغوف بتلقي الحكايات، بل كان حاملا فكريا ومعرفيا يمكن من خلاله تسليط الضوء على مرحلة تاريخية محددة أو شخصيات كان لها حضور متميز في التاريخ العربي أو الإسلامي.